مكانَةُ المرأةِ في عَصْرِ الفُرعُونيَّةِ
احتَلَّتِ المرأةُ في مِصْرَ القَديمَةِ مَكَانَةً مَرْمُوقَةً وتَمَتَّعَت بِبعضِ الحُقوقِ كَحَقِّ التَمَلُّكِ وحَقِّ الإرثِ وحَقِّ الحُكْمِ.
والمرأةُ المَصْريَّةُ القديمَةُ كانَت زَوْجَةً بمعنَى الكلمةِ حيثُ كانَت مُحِبَّةً لزَوْجِهَا مُطِيْعَةً لَهُ وربَّةَ بيتٍ وأمَّاً مِثَاليَّةً ، ثمَّ إنَّهَا كانَت تَقُومُ على شُؤونِ الأسرةِ في غَيْبَةِ زَوْجِهَا .
هذهِ الدرجَةُ المَرْمُوقَةُ التي وَصَلَت إليهَا المرأةُ المَصْريَّةُ جَعَلَتِ المَصرييَّنَ يُعَظِّمُونَ مِن قَدْرِهَا، فَفِي أُسْطُورةِ "إيزيس" المَشهورةِ دليلٌ على ذلكَ. وإيزيسُ هذهِ هِيَ أُخْتُ أوزوريس الذي قَتَلَهُ أَخُوهُ حِقْدَاً عليهِ، أَحَبَّتْهُ إيزيسُ فَجَمَعَت أَجْزَاءَ جِسْمِهِ مِن أنْحَاءِ الدولَةِ وجَاهَدَت جِهَاداً كَبيراً للحُصُولِ على هذا البَعْثِ الذي نَجَمَ عنْهُ وُجُودُ أوريس الصغير الذي انْتَقَمَ فيمّا بَعْدُ مِن عمِّهِ "ست"، وقَد عَظَّمَ المصريُّونَ إيزيس لهذَا السَبَبِ .
وثمَّةَ أُسْطُورةٌ أُخْرَى رَواهَا المُؤَرِّخُ هِيرودوت اليُونَانِي تَقولُ: إنَّ أحدَ مُلوكَ مِصْرَ وَقَعَ في شِرْكٍ نَصَبَهُ لَهُ أَخُوهُ الطَامِعُ في المُلْكِ، ولَم يَنْجُ إلاَّ بِحِيْلَةِ زوجَتِهِ الذَكيَّةِ التي ضَحَّتْ في سبيلِ نَجَاةِ زَوجِهَا بِوَلَدينِ مِن أولادِهَا، لِهَذا السببِ عَظَّمَ المَصريُّونَ المرأةَ .
والمرأةُ المَصريَّةُ أَصْبَحَت حَاكِمَةً كَمَا قُلْنَا؛ إلاَّ أنَّ ذلِكَ كانَ لا يَحْدُثُ إلاَّ في حَالَةِ عَدَمِ وُجودِ الوَرَثَةِ مِنَ الذُكورِ، وفي ذلِكَ يَحكِي "ديودور" مُوَضِّحَاً أنَّ جَدوَلَ مُلوكِ مِصْرَ ذَكَرَ خَمْسَ مَلِكَاتٍ إِزَاءَ أربعمائةٍ وسبعينَ مَلِكَاً.
ويُقالُ إنَّ الملكَةَ عندمَا تَرْتَفِعُ إلى العَرْشِ كانَت تَشْعُرُ أنَّ مَقَامَهَا هذا هُوَ للرجلِ، ولِذَلِكَ كانَتِ المَلكَةُ "هتشوب" التي حَكَمَت قبلَ 1550م مِن ميلادِ المَسيحِ عليهِ السلام؛ مُجْبَرَةً على لُبْسِ ثِيَابِ الرجلِ مُرَاعَاةً للرَأيِ العَامِّ .
وعُمُومَاً فإنَّ وَضْعَ المرأةِ المَصْريَّةِ كانَ وَضْعَاً مُتَمَيِّزَاً في عَهْدِ العَائِلاتِ المُلوكِيَّةِ الأوْلَى، وظَلَّ هذا الوَضْعُ قَائِمَاً حتى أَوَاخِرَ عَهْدِ البَطَالِمَةِ، هذا ومِنَ المَلِكَاتِ والأمِيراتِ ذَواتِ النُفُوذِ في مِصْرَ القَديمَةِ؛ المَلكَةُ" فكتورسيس "وهِيَ فِرْعُونَةٌ مِن مُلوكِ الدَولَةِ السادِسَةِ المَصْريَّةِ. ومِنْهُنَّ الأميرةُ "دلوكة بنت زباء" التي مَلَكَت وعُمْرُهَا مائةُ عامٍ والتي بَنَتِ الحَائِطَ المَعْرُوفَ بِحَائِطِ العَجُوزِ المَشْهُورِ. ومِنْهُنَّ "كِليوباترا" التي حَكَمَت اثنينِ وعِشرينَ عَامَاً وأُطْلِقَت حيَّةٌ على صَدْرِهَا فَلَدَغَتْهَا فَمَاتَت .
والعقادُ يقولُ: إنَّهُ وبالرُغْمِ مِن أنَّ المرأةَ المَصْريَّةَ كانَ لَهَا حَظٌّ مِنَ الكَرامَةِ أجازَ لَهَا الجُلوسَ على العَرْشِ وأَعْطَاهَا حَقَّ ومَكانَ الرِعَايَةِ في الأسرةِ؛ إلاَّ أنَّ الأُمَّةَ المَصريَّةَ كانَتْ مِنَ الأمَمِ التي شَاعَت فيهَا عَقِيْدَةُ الخَطيئَةِ، وأنَّ المرأةَ هِيَ عِلَّةُ تِلْكَ الخَطِيْئَةِ وأنَّها خَلِيْفَةُ الشيطانِ وأنَّهُ لا نَجَاةَ للرُوحِ إلاَّ بالنَجَاةِ مِن حَبَائِلِ المَرأةِ .
ولَم تَخْلُ هذهِ المُجْتَمَعَاتِ المَصريَّةِ مِنَ العَادَاتِ الرَدِيْئَةِ، فَقَد كانَ يُمْكِنُ للرجلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهُ؛ ومَا أُسُطورَةُ "إيزيس" المُتَقَدِّمَةَ إلاَّ دليلٌ على ذلِكَ فَقَد كانَت "إيزيس" هِي أُخْتُ "أوزوريس" في نَفْسِ الوَقْتِ .
هذا فَضْلاً عَن أُسْطُورةِ عَرُوسِ النِيْلِ المَشْهُورةِ، التي كانَت قَد سَهَدَّت نَوْمَ المَصْرِييِّنَ قُرُونَاً طَويلةً ولَم يَسْتَطِيعُوا الفِكَاكَ مِنْهَا إلاَّ في عَهْدِ الفاروقِ سيّدنا عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رضيَ اللهُ عنْهُ، والقِصَّةُ كَمَا حَكَاهَا ابنُ لُهَيْعَةَ أَنَّ المَصريِّين جَاءوا لِعَمْرو بنِ العَاص عندَ فَتْحِ مِصْرَ قَائِلينَ: إنَّ لِنِيْلِهِم سُنَّةً لا يَجْرِي إلاَّ بِها وهِي أنَّهُم يَأُخُذونَ جَاريَةً مِن أَبَوَيْهَا يَجْعَلُونَ عليهَا الحُلِيَّ وأَفْضَلَ الثِيابِ ويُلْقُونَهَا في النِيلِ. كَتَبَ عَمروُ بنُ العَاص لأميرِ المُؤمنين عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ الذي كَتَبَ خِطَابَهُ المَشْهُورُ للنيلَ: مِن عبدِ اللهِ أميرِ المؤمنينَ عُمَرَ إلى نِيْلِ مِصْرَ أمَّا بَعْدُ فإنَّكَ إِنْ كُنْتَ إنَّما تَجْرِي مِن قِبَلِكَ فَلا تَجْرِي؛ وإِنْ كانَ اللهُ الوَاحِدُ هُوَ الذي يُجْرِيْكَ فَنَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُجْرِيَكَ". قالَ: فَأَلْقَى البِطَاقَةَ في النِيل قَبْلَ الصَلِيْبِ بيومٍ وقَد تَهَيَّأَ أهلُ مِصْرَ للجَلاءِ والخُروجِ مِنْهَا، لأنَّهُ لا تَقُومُ مَصْلَحَتُهُم فيهَا إلاَّ بالنيلِ، فلمَّا أَلْقَى البِطَاقةَ في النيلِ، أَصْبَحُوا يومَ الصَليبِ وقَد أَجْرَاهُ اللهُ في ليلةٍ واحِدَةٍ ستَّةَ عَشَرَ ذِرَاعا، وقَطَعَ اللهُ تِلْكَ السيرةَ عَن أَهْلِ مِصْرَ مِن تِلْكَ السَنَةِ .